هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالباسط أبومزيريق




عدد الرسائل : 1
المذاج : مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق 3110
البلد : مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق Male_l11
my sms : My SMS $post[field5]
تاريخ التسجيل : 21/01/2011

مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق Empty
مُساهمةموضوع: مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق   مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق Emptyالجمعة يناير 21, 2011 10:29 am

مسرحية افعل شيئا يا مُت تأليف عبدالباسط أحمد أبومزيريق عن مسرحية بذات العنوان للكاتب التركي عزيز نيسين


الإهداء



إلى روح الشهيد البطل

محمد البوعزيزي

شهيد ثورة 14 يناير التونسية
ثورة الياسمين
المشهد الأول


المنظر: في الخلفية مجسم كبير لوجه وحش بشع تعلوه ساعة لا ملامح لها بدون عقارب في الجانبين الأيمن والأيسر مرجوحتين تشبهان بعض يجلس على إحداها مت وهو يتمرجح ببطء في حين يجلس الآخر في المرجيحة المقابلة ويمرجح بسرعة أكثر.. يظهر الجد جالسا بجوار الوجه وهو شيخ هرم أصم وأعمى يحمل بين يديه علبة بيضاء فيها ثقب يظهر ضوءا خفيفا.

مت :- (يتمرجح ببطء حيث يظهر عليه الملل واللامبالاة .. لحظات وينتبه لوجود الآخر
يتمرجح بقوة وسرعة) هيه.. أنت.. ( يتجه إليه ) من أنت؟.. لماذا تتبعني كظلي..؟
الآخر :- (يتوقف على المرجحة.. ينظر إليه.. ثم يقف ويبتعد عنه معطيا إياه ظهره)
مت :- هل أنت أبكم؟.. (بغضب) لماذا لا تجيب؟.. من أنت؟.
الآخر :- (ينظر إليه.. يبتسم.. ثم يبتعد عنه)
مت :- سأقتلك إن لم تتكلم.. (يتجه إلى حيث جده) جدي.. هل تعرف هذا الرجل؟.. (الجد لا
يعيره اهتماما كونه لا يسمع لا يرى.. يهز الجد) إني أكلمك.. ألا تسمعني؟..
الجد :- (ينتبه) مت؟!.. افعل شيئا يا مت ..
مت :- سألتك.. هل تعرف هذا الرجل؟ .. أأنت من أدخله البيت ؟..
الجد :- هاه!!.. ماذا تقول؟.. (يعود منهمكا بعلبته)
مت :- عجوز خرف.. (يبحث عن الآخر فلا يجده).. أين ذهب؟.. لعله جني؟.. أو لعلها
تخيلات وتهيؤات؟.. (يعاود البحث عنه.. يدخل باحثا عنه.. في الأثناء يخرج الآخر
من الجهة المقابلة ويجلس على المرجيحة.. يعود ميت وفي يده الجيتار.. يفاجأ بوجود الآخر في المرجيحة)
مت :- أنت ثانية؟.. ماذا تريد مني؟.. (بغضب) سأقتلك.. ( يهم بالاعتداء عليه بواسطة
الجيتار.. يوقفه الآخر بحركة من يده.. تجمد حركة مت.. يبتعد الآخر عنه..
يتحسس مت يده.. يعاود الحديث لكن بهدوء).. من أنت؟.. (يبتعد الآخر أكثر حتى
يخرج.. يتبعه مت ثم يتوقف في المنتصف.. يتجه إلى جده).. جدي .. من هذا؟.. من هذا الرجل؟.. (يظهر الآخر في الجهة المقابلة .. يقف مواجها مت) جدي.. انظر هناك.. ألا تراه؟..
الجد :- ماذا تقول؟.. ارفع صوتك..
مت :- (بصوت أعلى) .. الرجل الواقف هناك.. ألا تراه؟..
الجد :- أنا لا أرى أحدا.. افعل شيئا يا مت.. (يعود إلى علبته)
الآخر :- افعل شيئا يا مت..
مت :- وأخيرا نطقت!.. من أنت؟..
الآخر :- أنا أنت.. وأنت أنا..
مت :- أنا أنت.. أنا لا أعرفك..
الآخر :- لكني أعرفك..
مت :- هل التقينا من قبل؟..
الآخر :- لا يهم.. لكننا سنلتقي كثيرا هذه الأيام ..
مت :- ماذا تعني؟..
الآخر :- افعل شيئا يا مت ..
مت :- (يبتسم) أتعرف ؟!.. خلتك جني..
الآخر :- قد أكون..
مت :- ماذا تعني؟.. هل أنت جني؟..
الآخر :- قلت لك.. أنا أنت..
مت :- لم أفهم؟..
الآخر :- ستفهم لاحقا.. اسأل جدك..
مت :- (بسخرية) .. جدي !!.. إنه كما ترى مشغول بلعبته..
الآخر :- اسأل أمك..
مت :- أمي! .. لقد رحلت منذ زمن (بحزن) .. تركتني وذهبت بعيدا..
الآخر :- أعرف..
مت :- (بتعجب) تعرف! .. (بغضب) .. أنت لا تعرف.. إنك تكذب.. أمي لم تمت.. لقد
صعدت إلى السماء.. وهي تزورني كل ليلة.. أنها تطلع مع النجوم..
الآخر :- أعرف..
مت :- كيف عرفت؟..
الآخر :- لا يهم كيف عرفت.. المهم أني أعرف..
مت :- (بغضب) .. ولكني يجب أن أعرف..
الآخر :- اسأل جدك..
مت :- عن ماذا أسأله؟..
الآخر :- عن كل شيء.. عني.. عنك.. عن أمك..
مت :- إنه أصم.. لن يسمعني.. ثم إنه أعمى..
الآخر :- عليك أن تجد وسيلة للتفاهم معه..
مت : (سأحاول .. بعد لحظة صمت) لم لا تخبرني أنت؟..
الآخر :- ربما!!..
مت :- إجاباتك مختصرة.. من أنت؟..
الآخر :- افعل شيئا يا مت..
مت :- جميعكم يقول لي ذلك.. لكن لا أحد يخبرني ماذا أفعل..
الجد :- افعل شيئا يا مت.. عليك أن تفعل شيئا.. قامتك توقفت عن النمو.. وخلال أيام سيأتي
من يسألك ماذا فعلت؟..
مت :- (يتجه إلى الجد) .. لم أفعل شيئا.. ولن أفعل..
الجد :- عليك أن تفعل.. لا خيار أمامك.. افعل شيئا يا مت..
صوت الأم :- افعل شيئا يا مت..
مت :- أمي!!..
صوت الأم :- نعم أمك..
مت :- الليل لم يأت بعد.. لماذا جئت؟..
صوت الأم :- جئت من أجلك.. افعل شيئا يا مت..
مت :- أنا سعيد بحياتي هكذا.. لا أريد أن أفعل شيئا.. أنا حر..
صوت الأم :- لست حرا يا بني.. عليك أن تفعل شيئا كي تعيش..
مت :- ومن قال لك إني أريد أن أعيش.. أنا لا أريد هذه الحياة..
صوت الأم :- يجب أن تعيش.. من أجل نفسك يا بني.. من أجلي..
مت :- من أجلك؟!.. أنا أريد أن أموت حتى ألحق بك..
صوت الأم :- ستراني إن عشت.. لو غادرت هذه الحياة فلن تراني..
مت :- لماذا؟.. الموت سيجمعنا..
صوت الأم :- الموت يفرقنا.. افعل شيئا يا مت.. لقد توقفت قامتك عن النمو.. وما هي إلا
أيام.. أو ربما ساعات.. وتخضع للاختبار..
مت :- أي اختبار؟..
صوت الأم :- اختبار الحياة.. كي تعيش يا مت عليك أن تفعل شيئا مميزا.. شيئا مختلفا..
مت :- ماذا أفعل؟..
صوت الأم :- هذا قرارك.. أنت من يريد الحياة..
مت :- ولكني لا أريد..
صوت الأم :- بل تريد يا مت.. لا أحد يريد الموت..
مت :- كلنا نموت.. أنا.. أنت.. جدي..
صوت الأم :- جدك لا يريد الموت.. ألا ترى كيف يعمل؟..
مت :- عجوز خرف.. لم تكفه مائة وثمانون عاما (بسخرية).. يريد المزيد..
صوت الأم :- لا أحد يرغب في الموت..
مت :- بلى هناك.. هناك من ذهب للموت برجليه..
صوت الأم :- ذهب ليعيش..
مت :- كيف؟..
صوت الأم :- ستفهم عندما تكبر.. ستفهم بعد الاختبار..
مت :- (دقات ساعة قوية ومتعددة).. هذه الدقات اللعينة.. رأسي تكاد تنفجر..
صوت الأم :- هذه الدقات من أجلك..
مت :- أنها تقتلني.. سأحطم هذه الساعة.. سأوقف هذه الدقات (يتجه ناحية الساعة.. يتراجع
عندما يظهر له الوحش بإضاءة مختلفة)
صوت الأم :- لن تستطيع.. حاول قبلك كثيرون.. كلهم فشلوا..
مت :- ماذا أفعل؟..
صوت الأم :- افعل شيئا يا مت..
مت :- (بغضب) لن أفعل شيئا.. دعوني وشأني (تعود الإضاءة لحالها.. يظهر الجد في مكانه
يحاكي علبته.. في حين يقف مت مستمعا إليه)
الجد :- (يحاكي علبته).. إيه يا علبتي السحرية.. بفضلك سأعيش أكثر.. سأعيش.. وأعيش..
أنا لم أربح هذه السنين هكذا.. أعرف الكثيرين ممن فازوا بمائتي سنة من أول
اختبار.. سأعيش.. بفضلك سأعيش (يغير نبرته ويعود شابا في صوته وحركته).. لا
زلت أذكر أول اختبار حياة لي.. كنت في الثامنة عشر وقتها.. لا زلت أذكر تلك اللحظات وكأنها البارحة.. جاءني الآخر.. وقف أمامي وسألني.. إن قامتك توقفت عن النمو.. أليس كذلك ( بفرح ).. بلى.. بلى.. إن قامتي لا تطول.. اكتمل نمو جسدي.. صمت برهة وقال.. هذا جميل.. ماذا فعلت لكي تعيش؟..(هنا يظهر الآخر وقد ارتدى ملابس مختلفة يغلب عليها السواد مع وجود شريطين أحدهما أبيض والآخر أحمر)
الآخر :- ماذا فعلت لكي تعيش؟..
الجد :- لا شيء.. لا شيء تحديدا.. أعني الكثير.. فعلت الكثير..
الآخر :- ماذا فعلت؟..
الجد :- أكلت!.. شربت!.. نمت!.. لعبت!..
الآخر :- وماذا بعد؟..
الجد :- لا شيء.. أريد أن أعيش..
الآخر :- هذا لا يكفي.. كي تعيش لابد أن تفعل شيئا..
الجد :- ماذا أفعل؟..
الآخر :- إنها حياتك.. عليك أن تختار..
الجد :- أرجوك دعني أعيش..
الآخر :- لا أستطيع.. أنت لم تفعل شيئا.. ولهذا لن تعيش..
الجد :- أرجوك!!..
الآخر :- لا تتوسل..
الجد :- أريد أن أعيش..
الآخر :- لا تحاول..
الجد :- أرجوك!!.
الآخر :- لا أصغي لمثل هذه الكلمات.. هذا الأنين.. لن تعيش..
الجد :- (يركع على الأرض) أريد أن أعيش..
الآخر :- كلكم تريدون العيش.. لا أحد يريد أن يموت..
الجد :- أشفق علي..
الآخر :- كلمة لا وجود لها في قاموسي.. بإمكانك أن تشفق على نفسك.. أما أنا فلا.. سوف
تموت ..
الجد :- (يبكي) أريد أن أعيش..
الآخر :- تريد أن تعيش.. هكذا بكل بساطة..
الجد :- إنني......
الآخر :- (يقاطعه).. أنت لم تدرك معنى الحياة.. فكيف يمكنك أن تعيش؟.. لن تعيش على
حساب الآخرين.. لن أمنحك حق غيرك.. ستموت..
الجد :- (يقف ببطء.. يمد يده باتجاه الصوت).. امنحني فرصة أخيرة.. سأكسب حق العيش..
الآخر :- يوم إضافي لا غير.. أربع وعشرون ساعة.. فإما أن تكسب حق العيش وإما....
الجد :- (يقاطعه).. سأعيش .. سأعيش..
مت :- ماذا فعلت يا جدي؟..
الجد :- كان علي أن أفعل شيئا خلال أربع وعشرين ساعة.. وإلا فإن نهايتي الموت..
مت :- أهرب يا جدي..
الجد :- أين سأذهب؟.. إذا خرجت سيمزقني الغوغاء في الخارج..
مت :- وما العمل؟..
الجد :- أربع وعشرون ساعة لا غير.. وقت غير كافي.. الساعة تعمل دون توقف.. دقاتها
كمطارق لا تتوقف عن الطرق في رأسي.. سأموت لا محالة.. لا أمل.. لا بصيص..
لا ضوء في آخر النفق..
مت :- (بلهفة أكثر) ماذا فعلت يا جدي؟..
الجد :- لم يتبق على المهلة سوى بضع ساعات.. كنت مشلول التفكير.. معدم الحيلة.. هل
أستسلم لمصيري؟.. هل أستسلم للموت؟..
مت :- (بلهفة أكثر).. ماذا فعلت يا جدي؟..
الجد :- كانت القرية تعاني شحا في مياه الشرب.. والمتوفر منها لا يصلح للاستعمال
البشري.. كانت الأمراض التي تنقلها هذه المياه تحصد الكبار والصغار.. فكرت..
وفكرت.. هل من حل لهذه المشكلة؟.. لم يبق على انتهاء المهلة سوى ساعتان.. ساعتان لا أكثر.. هل من سبيل؟.. هل من وسيلة؟.. هل من حل؟.. وأخيرا صحت.. صحت بأعلى صوتي.. وجدتها.. وجدتها..
مت :- قالها أرخميدس قبلك..
الجد :- نعم.. وجدتها..
مت :- ماذا وجدت؟..
الجد :- وسيلة مبتكرة لتوفير مياه شرب صالحة لأهل القرية..
مت :- كيف؟..
الجد :- كان هناك في الأعلى نبع.. مياهه تتسرب وتذهب هدرا إلى حيث البحر بعيدا عن
القرية.. قلت في نفسي لماذا لا نحول مجرى هذه المياه إلى حيث القرية.. ومع انتهاء المهلة خضعت مجددا لاختبار الحياة.. سألني محدثي.. انتهت المهلة.. ماذا فعلت لكي تعيش.. أجبته بفخر.. وسيلة مبتكرة لجلب المياه إلى القرية.. شيء جميل.. سألني محدثي وأضاف.. وكيف ستفعل ذلك؟.. أجبته.. عبر قناة خاصة من أعلى الجبل إلى حيث سكان القرية.. عندها لاحظت ابتسامة في عينيه.. ابتعد عني وهو يقول.. ستعيش ولكن ليس طويلا.. موعدنا بعد شهرين.. وتكررت اللقاءات.. وها أنت ترى.. إنني أمامك الآن.. وفي آخر مرة منحني ثلاثون عاما دفعة واحدة..
مت :- وما فائدة ذلك ما دمت ستموت في نهاية الأمر؟.. هل من وسيلة لقهر الموت..
الجد :- ابحث عنها.. قد تجدها.. المهم أن تضع هدفا تعمل لأجله..
مت :- لم تخبرني ماذا أفعل.. لو كنت تحبني لفعلت..
الجد :- لا يمكننا فعل كل شيء لمن نحب.. ثم إنني لو فعلت.. فسيعرف أنها فكرتي ولن
تستفيد منها.. عليك أن تبحث بنفسك إذا كنت فعلا ترغب في العيش..
مت :- (بغضب) ومن قال لك إني أرغب في العيش.. ليتني كنت هناك.. حيث يعيش
الآخرون حياة سعيدة رغدة..
الجد :- ومن قال لك إنهم يعيشون.. وحتى لو كانوا يعيشون ما أدراك أنهم سعداء.. حياتهم
رغدة ..
مت :- يتزوجون.. ينجبون.. يأكلون.. ينامون..
الجد :- وهل في هذا حياة؟.. افعل شيئا يا مت..
مت :- (بغضب) لن أفعل شيئا.. أريد أن أموت.. هل ارتحت؟..
الجد :- راحتي في حياتك يا بني.. أنت حفيدي..
مت :- ليتني لم أكن.. ليتني كنت نسيا منسيا.. ماذا جنيت من كوني حفيدك؟..
الجد :- أن تعيش في النور.. أن تحس معنى الحياة..
مت :- أي معنى للحياة مادام الموت ينتظرنا في أحد الأركان..
الجد :- لديك فرصة لمراوغته.. للهروب منه..
مت :- كيف؟.. أنت تعرف .. أن لا أحد يستطيع الهروب من الموت..
الجد :- هذا صحيح.. ولكن كثيرين نجحوا في الفوز بسنوات أطول.. افعل شيئا يا مت..
(تعاود الساعة دقاتها بصوت أعلى)
مت :- رأس تكاد تنفجر.. ألا يمكنني إيقاف هذه الساعة.. إيقاف هذه الدقات.. ألا يساعدني
أحد.. إني أموت.. أموت.. أموت (يبتعد الجد عنه ويعود إلى علبته)
الآخر :- (يسمع صوته من خارج المسرح) .. سيد مت.. حانت لحظة الامتحان.. لحظة
اختبار الحياة.. ماذا فعلت لكي تعيش؟..
مت :- (خائف) أنا!.. أنا لم أفعل شيئا!..
صوت الآخر :- لذلك فأنت لا تستحق العيش.. ستموت يا مت..
مت :- أرجوك ساعدني..
صوت الآخر :- أنت لم تساعد نفسك.. أنت لا تستحق العيش.. يجب أن تموت..
مت :- أعطني فرصة..
صوت الآخر :- لا تستحقها..
مت :- أرجوك.. أرجوك...
صوت الآخر :- لا تتوسل.. لن يجديك التوسل..
مت :- امنحني أربعا وعشرين ساعة.. أنا لا أطلب أكثر..
صوت الآخر :- لك ذلك.. نلتقي بعد أربع وعشرين ساعة..
مت :- (يصرخ) أريد أن أعيش (بصوت أقل).. أريد أن أعيش (يهمس).. أريد أن أعيش
(ينادي بصوت هامس).. أمي.. أين أنت يا أمي؟..
صوت الأم :- أنا هنا .. افعل شيئا يا مت..
مت :- لماذا تركتني؟.. لماذا تخليت عني؟..
صوت :- لم أتخلى عنك.. أنا معك..
مت :- ولكنك بعيدة عني.. أنت نجمة في السماء.. تظهر بعد غروب الشمس..
صوت الأم :- ولكني أراك.. أحس بك.. أسمعك.. استجيب لندائك..
مت :- هذا لا يكفي.. أنا أحتاج لحضنك.. أحتاج محبتك..
صوت الأم :- أنت حبيبي وقرة عيني.. افعل شيئا يا مت.. من أجل نفسك.. من أجلي يا
بني.. من أجلي ..
مت :- ماذا أفعل.. لم يبق أمامي سوى أربع وعشرين ساعة..
صوت الأم :- وقت كاف.. المهم ألا تيأس.. افعل شيئا يا مت..
مت :- ماذا أفعل؟..
صوت الأم :- لا أحد يمكنه مساعدتك..
مت :- أنت أمي..
صوت الأم :- وأنت ابني.. لكني لا أستطيع..
مت :- أنت لا تحبينني.. أنت تكذبين علي..
صوت الأم :- أنا أمك..
مت :- أمي وترفضين مساعدتي!..
صوت الأم :- لا أستطيع..
مت :- (بغضب) أنت تكذبين.. كان عليك مساعدتي..
صوت الأم :- (بحنان أكثر).. لا أستطيع يا بني.. إنها لحظتك.. لحظتك وحدك..
وعليك أن تفعل شيئا..
مت :- (يبكي) أريد أن أعيش.. أريد أن أعيش..
صوت الأم :- ستعيش يا مت.. ستعيش يا مت..
مت :- (بقوة وغضب) أريد أن أعيش.. أريد أن أعيش..

إظلام ....


المشهد الثاني

المنظر كما في السابق .. مع ملاحظة اختفاء المرجوحتين.. يجلس مت حيث كان يجلس جده في الفصل الأول.. يحمل الجيتار بين يديه.. يحاول عمل شيء.. يعزف بعض الألحان المعروفة.. يجرب غيرها.. يُلاحظ عليه الإرهاق وعدم النوم..

مت :- الوقت يمر بسرعة.. وهذه الجيتار لا تساعدني.. صارت في يدي مثل الخشبة..
عديمة النفع.. أريد أن أعيش.. علي أن أفعل شيئا.. ماذا أفعل؟.. (للجيتار) ساعديني
أيتها اللعينة.. ساعديني على عمل شيء.. لحن خالد جميل.. لماذا أنت هكذا اليوم؟.. كنا نلعب معا ساعات وساعات.. لماذا الآن؟.. أنت أيضا تتخلين عني.. افعلي شيئا من أجلي (يسمع صوت الأم .. يتبعها الجد)
صوت الأم :- افعل شيئا يا مت؟..
صوت الجد :- افعل شيئا يا مت؟..
مت :- ألا ترون..إني أحاول..
صوت الأم :- يجب أن تعيش يا مت..
صوت الجد :- يجب أن تعيش يا مت..
مت :- (بغضب) ابتعدوا عني.. جمل جوفاء لا قيمة لها.. ماذا أفعل؟.. ماذا أفعل؟..
ساعدوني..
الصوتين معا :- افعل شيئا يا مت.. افعل شيئا يا مت..
مت :- (يضع الجيتار جانبا) اللعنة عليك.. (يقف مبتعدا.. يسمع في الأثناء عزف منفرد على
الجيتار.. لحن مشهور لأحد الفنانين.. يقف مت مستمعا للحن.. يبتسم.. يعود مسرعا
إلى الجيتار.. يأخذه).. وجدتها.. وجدتها (يعزف نفس اللحن على الجيتار.. يغني
بسعادة.. يتوقف فجأة).. إنه لحن قديم.. معروف.. لن يقبله مني.. سيقول لي.. لم تأت
بجديد.. أنت لا تستحق العيش.. يا إلهي.. ماذا أفعل؟.. الساعات تمر.. وقتي تأكله هذه
العقارب اللعينة.. ليتني أستطيع إيقافها.. إيقاف الزمن وهذه الدقات (يتجه إلى حيث
الساعة.. يظهر له الوجه مجددا مع إضاءة أشد رعبا.. يتراجع بخوف).. ماذا أفعل؟..
الأفكار تقاطعني.. والجيتار لم يعد صديقي.. ماذا أفعل؟.. أريد أن أعيش.. أريد أن
أعيش..
الجد :- (يدخل حاملا علبته .. ينادي).. مت.. مت.. هل أنت هنا يا مت؟. (مت لا يجيب)..
أين ذهب هذا الولد (يبحث في الأرجاء متلمسا طريقه).. مت.. أين أنت؟..
مت :- أنا هنا يا جدي..
الجد :- (يتجه إليه).. مت.. (يقترب مت)
مت :- ما هذه العلبة يا جدي؟.. ماذا تصنع بها؟..
الجد :- إنها علبتي السحرية.. إنها آخر مبتكراتي..
مت :- علبة سحرية.. كيف؟.. لم أفهم؟..
الجد :- (بفرح ظاهر) إنها علبتي.. آخر مبتكراتي.. بواسطتها.. سأقضي على الظلمة..
سأسجنها داخل هذه العلبة.. لكني لا زلت أحاول.. لم أنجح بعد .. مازلت أحاول..
آه .. ليتني أنجح..
مت :- وإذا نجحت..
الجد :- سينتشر الضياء.. سيعم كل الأرجاء.. علي أن أحبس الظلمة في هذه العلبة.. وألا
يبقى منها أي شيء في الخارج.. وعندما أنجح.. لن أسمح لها بالخروج ثانية حتى لا
تسيء إلى الضياء..
مت :- (يبتعد عنه) أحمق.. وما فائدة هذا الهراء؟..
الجد :- أنت تسخر مني.. أعرف ذلك.. ليتني أنجح.. عندها فقط أستطيع أن أصرخ بأعلى
صوتي.. لقد نجحت.. نجحت في حبس الظلمة.. سيعم الضياء في كل مكان.. الجميع
سيعيشون في الضوء..
مت :- وبعد أن يعم الضياء..
الجد :- سينتهي الخوف.. الناس يخافون الظلمة يا مت.. يخافون الظلمة.. لأن الظلام يساوي
عدم المعرفة..
مت :- فلسفة عقيمة.. فكرة نهايتها محتومة.. لن تنجح..
الجد :- تكفيني المحاولة..
مت :- وكيف ستجمع الظلمة وأنت هنا في مكانك.. هل ستخرج إليها.. هل ستبحث عنها أم
تنتظرها لتأتيك طوعا..
الجد :- ليتني أستطيع.. إذا خرجت سيمزقني الغوغاء في الخارج..
مت :- حتى وإن جئت لإنقاذهم..
الجد :- هم لا يعرفون.. غارقون في ظلام دامس..
مت :- قل لهم..
الجد :- لن يعطوني الفرصة.. سيمزقونني قبل أن أُسمعهم صوتي..
مت :- والحل؟!!..
الجد :- لا أدري.. لا أدري يا مت..
مت :- اتركهم لشأنهم.. هم سعداء بحياتهم..
الجد :- لأنهم لا يعرفون.. لا يعرفون أنهم يعيشون في الظلمة..
مت :- إذن!.. لا فائدة من محاولاتك.. أنت تضيع وقتك سدا.. ابحث عن شيء مفيد.. ودعك
من هذه الحماقات..
الجد :- أنت لا تختلف عنهم.. رغم عيشك في الضياء..
مت :- ليتني كنت بينهم.. ليتني لم أولد أصلا..
الجد :- لا خيار لديك.. لأنك حفيدي.. وأنا اخترت العيش في الضياء..
مت :- وما شأني أنا؟..
الجد :- عندما ولدت.. منحتك اسمي.. وأخذتك لتعيش بقربي..
مت :- لماذا؟..
الجد :- لأنك حفيدي.. لأني أحبك..
مت :- تحبني.. وترميني إلى التهلكة.. ليتني بقيت معهم.. بقيت في الظلمة..
الجد :- افعل شيئا يا مت.. عندها فقط تحس بالفرق..
مت :- لا أريد لا أريد (يبتعد عنه)
الجد :- (ينادي).. مت.. هل ذهبت.. أتسمعني (لنفسه).. يبدو أنه قد غادر المكان..
سأخلد قليلا إلى النوم.. والصباح رباح (يخرج)
مت :- (يعود إلى الجيتار محاولا العزف.. يعزف لحنا معروفا ويغني معه.. بعد أن ينهي
غناءه.. يدخل الآخر)
الآخر :- لحن جميل.. وعزف لا بأس به..
مت :- أنت مرة أخرى.. الوقت لم يحن بعد..
الآخر :- أعرف.. جئت لزيارتك وحسب..
مت :- زائر غير مرغوب فيه..
الآخر :- هذا قدرك.. لا تستطيع طردي..
مت :- ولكني لا أرغب في وجودك.. ولا أظنك تقبل التواجد في وقت ومكان غير مرغوب
فيه.. ماذا لو طلبت منك المغادرة.. هل تغادر؟..
الآخر :- ليس قبل أن نتحدث معا..
مت :- (بفرح) هل ستغادر؟..
الآخر :- نعم.. ولكن حتى انتهاء المهلة.. ليس أكثر..
مت :- (تغيب الفرحة عن وجهه) لماذا تريد التحدث إلي؟..
الآخر :- أريد مساعدتك..
مت :- وأنا لا أريد مساعدتك..
الآخر :- بل تريدها..
مت :- لماذا جئت؟.. ماذا تريد مني؟..
الآخر :- أنا لا أتأخر عن موعدي.. جئت عندما توقفت قامتك عن النمو.. جئت من أجلك..
مت :- لتزهق روحي.. لا يهمني ذلك.. سنموت جميعا.. حتى أنت..
الآخر :- أنا لست موجودا.. أنا موجود بوجودك فقط.. عندما لا تكون أنت لا أكون أنا..
تماما مثل الشمس.. مثل الهواء.. عندما لا تكون أنت.. فإن تلك الأشياء غير موجودة
بالنسبة لك..
مت :- لماذا جئت؟.. كنا سنموت بطريقة هادئة.. كنا سنموت ونرحل قبل أن نعرف أنك
تعيش..
الآخر :- قد تكون ميتا..
مت :- أنا لا أريد أن أموت قبل أن أموت..
الآخر :- خوفك دليل على أنك غير ميت..
مت :- الموجودون في الخارج لا يخافون..
الآخر :- هم لا يعيشون.. أو بالأحرى.. هم لا يعرفون.. لم يتذوقوا طعم العيش.. عاشوا في
الظلام.. وسيظلون ما داموا لا يعرفون..
مت :- لماذا؟..
الآخر :- ولدوا في الظلام وعاشوا فيه.. الظلمة تعشش داخلهم.. تحتويهم.. لو خرجوا من
الظلام لوجدتهم يطلبون الحياة أيضا..
مت :- أريد أن أعيش.. أريد أن أعيش..
الآخر :- هكذا.. دون أن تفعل شيئا لتعيش.. لا يكفي أن تكتب بعض الخربشات على جدران
البيت.. أو على جذع الشجرة لتعيش.. لا يكفي أن تعزف بعض الألحان بهذا الجيتار
لتعيش.. افعل شيئا يا مت.. افعل شيئا تستحق بسببه العيش.. أنا هنا لمساعدتك.. لكني
لا أستطيع إن لم تساعد نفسك..
مت :- كيف؟..
الآخر :- هذا أمر يخصك.. أنت وحدك من يجيب عن هذا السؤال..
مت :- هل هناك غيري بحث عن الإجابة..
الآخر :- هناك الكثيرون.. الجميع يرغبون في العيش ماداموا يعرفون..
مت :- ودخلوا اختبار الحياة..
الآخر :- أمر لا مفر منه.. ماداموا يريدون العيش في الضياء..
مت :- هل لي أن أختار العيش في الظلمة..
الآخر :- ليس في هذا الوقت المتأخر.. أنت الآن في لحظة الاختبار..
مت :- هذا يعني أنني سأموت..
الآخر :- إن لم تفعل شيئا قبل انتهاء المهلة.. لا خيار لدي..
مت :- وكيف سأموت؟..
الآخر :- سيلتهمك الوحش.. أو يمزقك الغوغاء في الخارج..
مت :- سأهرب..
الآخر :- لن تستطيع..
مت :- هل امتحنت أحدا هذا اليوم؟.
الآخر :- أجل.. امتحنت شخصين.. أحدهما أستاذ جامعي والآخر شاب عاطل عن العمل..
مت :- لا حاجة له بالحياة.. ماذا فعل الأستاذ الجامعي كي يعيش..
الآخر :- لم يفعل شيئا.. أعطيته مهلته.. لكنها مرت دون جدوى..
مت :- وماذا حدث بعد انتهاء المهلة؟..
الآخر :-التهمه الوحش دون رحمة..
مت :- وماذا عن الآخر؟..
الآخر :- الشاب العاطل عن العمل؟!..
مت :- نعم.. التهمة الوحش أيضا؟..
الآخر :- لم يفعل شيئا في البداية.. حاول التوسل والاستجداء .. أخبرني عن ظروف حياته..
ظروف أسرته.. البطالة التي تعيشها البلاد وبحثه المضني عن لقمة العيش.. لكن..
كل هذا لا يجدي.. أعطيته مهلة كغيره من الممتحنين..
مت :- وانتهت المهلة بلا فائدة فالتهمه الوحش..
الآخر :- لا.. فعل شيئا يستحق لأجله الحياة..
مت :- ماذا فعل؟.
الآخر :- صب على نفسه البنزين وأشعل فيها النار..
مت :- انتحر؟!!. هكذا بلا ثمن..
الآخر :- لأجل الآخرين فعل ذلك.. ولهذا استحق العيش..
مت :- (يسخر بمرارة).. سيعيش لأنه انتحر.. أهي فزورة؟!..
الآخر :- هي فعلا كذلك.. لمن لا يعرف معنى الحياة..
مت :- أن تتحدث بالألغاز.. وهذا حديث لا يروقني..
الآخر :- تكره الألغاز.. لأنك لا تريد أن تتعب عقلك..
مت :- ينتحر كي يعيش.. عقلي لا يستطيع استيعاب ذلك.. وكم سيعيش ؟..
الآخر :- سنوات طويلة.. أكثر مما تتصور.. سيعيش ما عاشت ذاكرة الشعوب..
مت :- أنا لا أفهم ما تقول..
الآخر :- لا عليك.. شغلتك عن عملك.. وسرقت بعضا من وقتك الثمين..
مت :- لا يهم.. الموت ينتظرني عاجلا أم آجلا..
الآخر :- الأمر بيدك.. افعل شيئا لتعيش.. افعل شيئا يا مت..
مت :- وما الفائدة ما دمت سأموت في نهاية المطاف.. هل يمكنك منع الموت عني إلى الأبد..
الآخر :- لا أحد يمكنه ذلك.. الأمر يتعلق بعدد السنوات التي يمكن أن تعيشها..
مت :- ما دمت سأموت.. فإني أفضل الموت بهدوء.. موت يتبعه سكون..
الآخر :- هو خيارك.. أنا هنا لاختبارك فقط.. وعند انتهاء المهلة سنرى..
مت :- يمكنك التصرف الآن.. لا يعنيني انتظار المهلة..
الآخر :- أمر ليس من حقي.. علي الانتظار..
مت :- انتظر.. قلت لك.. الأمر لا يعنيني..
الآخر :- سنرى.. طابت ليلتك (يخرج)
مت :- كم بقي لي من عمر؟!.. لماذا لا تدقي أيتها الساعة اللعينة.. يكفي أنني انتصرت
عليك.. وصارت دقاتك لا تعنيني..
صوت الأم :- افعل شيئا يا مت..
مت :- أنت ثانية.. ماذا تريدين مني؟..
صوت الأم :- أهكذا تستقبل أمك..
مت :- أمي.. وما فائدة ذلك..
صوت الأم :- أنا أمك يا مت.. وأريدك أن تعيش..
مت :- لا فائدة.. لم يبق لي الكثير.. المهلة أوشكت على الانتهاء..
صوت الأم :- الأمر لا يحتاج لأكثر من لحظة.. فكرة مبدعة.. عمل خلاّق.. شيء مميز..
مت :- فات الميعاد.. لا أريد العيش..
صوت الأم :- لا تقل ذلك يا بني.. ستعيش.. ستتزوج.. ستنجب أطفالا يملؤون حياتك بهجة
وسعادة..
مت :- أحلام يقظة لا أكثر.. ستتحول إلى كوابيس فور انتهاء المهلة..
صوت الأم :- فكر في الأمر يا بني.. ألا تحب أن ترى ابنك وهو يكبر بين يديك.. تناغيه..
تلاعبه.. تعاتبه.. تنهاه.. تنهره.. لا تخرج للمطر ياولد.. لا تضرب أختك.. آه منك يا
شقي.. لقد أتعبتني بشقاوتك.. تعال إلى حضني يا حبيبي.. لا.. لا.. تعال إلى حضني
لا حضن أمك.. أنا من اشترى لك الدراجة (مت يجسد المشهد مصاحبا حديث الأم..
يضحك عند احتضانه لطفله المتخيل).. وأخيرا اخترت حضني.. يا لك من لئيم..
اخترتني لأجل المصلحة فقط.. حسنا.. لا يهم.. المهم أنك في حضني الآن..
مت :- مجرد أوهام..
الأم :- قابلة للتحقيق.. المهم أن تفعل شيئا لتعيش..
مت :- (يصرخ) لا أريد أن أعيش.. لماذا لا تفهمون.. دعوني وشأني..
الجد :- (يدخل في الأثناء) لماذا هذا الصراخ.. لماذا أنت مضطرب وقلق.. تخاف الموت..
مت :- (يتجه إليه مسرعا) جدي.. لا أريد أن أموت..
الجد :- افعل شيئا يا مت (يبتعد عنه متجها إلى حيث المكان الذي اعتاد الجلوس فيه يحمل
بين يديه علبته التي يحضنها بحرص)
مت :- (يراقبه بابتسامة ساخرة ووجه حزين.. بعدها ينتقل إلى حيث الجيتار.. يأخذه بين يديه
ويبحث لنفسه عن مكان بعيد عن جده.. يحاول العزف لكنه هذه المرة لا يستطيع..
والجيتار لا يطاوعه.. يترك الجيتار.. يقف فجأة.. يتجه بتردد إلى حيث جده النائم
محتضنا علبته.. يحاول سحب العلبة من بين يديه.. لحظات عصيبة مع موسيقى
مناسبة.. يتمكن أخيرا من سحبها من بين يدي جده.. يبتعد بها مسرعا.. يتوقف..
ينظر خلفه.. يعود ثانية إلى حيث الجد لإعادة العلبة.. يتوقف في منتصف الطريق..
يتململ الجد في مكانه.. يتحرك أكثر.. يتحسس علبته.. يبحث عنها)
الجد :- (بغضب شديد) مت.. مت.. لقد سرقتها يا مت.. أعد لي علبتي.. أعطني إياها.. إنها
تخصني.. مت.. أنت لص.. أنت لص يا مت (يتجه إلى حيث مت محاولا انتزاع
العلبة منه)
مت :- (يدفعه بقوة فيسقطه أرضا) ابتعد عني.. هي علبتي الآن (يخرج مسرعا)
الجد :- (وقد سقط أرضا.. يبكي بحسرة وألم.. يتوسل).. مت.. أعدها لي يا مت.. أعدها لي
(يبكي.. ثم يصرخ بغضب).. أنت لص يا مت..

إظلام ....


المشهد الثالث

المنظر كما في المشهد السابق.. مت يجلس في أحد الأركان محتضنا العلبة التي انتزعها من جده .. موسيقى مناسبة.. لحظات وتبدأ دقات الساعة.. يقف مت ومظاهر الخوف بادية عليه.. بعد توقف الدقات يدخل الآخر بنفس زيه في المشهد السابق.. يدخل المسرح من فم الوحش إن أمكن.. يقف في المنتصف .
الآخر :- سيد ميت المهلة انتهت.. وحانت لحظة الاختبار.. ماذا فعلت لكي تعيش؟..
مت :- (بتردد وعدم ثقة).. هذه.. هذه العلبة..
الآخر :- ما هذه العلبة؟..
مت :- علبة الظلام..
الآخر :- بماذا تفيد؟..
مت :- (مرتبك) أعني.. هذه العلبة..
الآخر:- أني أسمعك.. تكلم..
مت :- هذه العلبة.. إنها.. إنها علبة الظلام..
الآخر :- أكمل..
مت :- سأُدخل الظلام داخل هذه العلبة.. وحتي يمكنني إدخاله.. فإنني .. س س س .. سوف
أقوم بإدخال الظلام غصبا عنه داخل هذه العلبة..
الآخر :- هذا جنون.. كيف يمكن حبس الظلمة في علبة..
مت :- (بخوف وارتباك أكبر).. هذه.. هذه العلبة ؟.
الآخر :- (بحزم) بماذا تفيد؟..
مت :- سأسجن الظلام داخلها.. وبذلك سيعم الضياء.. سينتشر الضياء في كل مكان..
الآخر :- غاية نبيلة.. استمر..
مت :- الضياء.. العلبة.. هذه العلبة.. (بتوسل).. أريد أن أعيش..
الآخر :- يا سيد مت.. أنا لم أفهم ما تقول.. الغايات وحدها لا تكفي.. لا أستطيع أن أمنحك
العيش..
مت :- ارأف لحالي.. أرجوك..
الآخر :- أنا لا أعرف الرأفة.. ارأف أنت بنفسك.. وأجبني ما فائدة هذه العلبة..
مت :- إنها علبة الظلام..
الآخر :- هذا لا يكفي..
مت :- أرجوك.. ساعدني..
الآخر :- كيف لي أن أساعدك.. أنت لم تساعد نفسك.. تعال وخذ مكاني.. تعال وحاكم
نفسك.. هل تستحق العيش..
مت :- هذه العلبة..
الآخر :- ما هذه العلبة.. ( في الأثناء يدخل الجد.. وعلامات الحزن بادية عليه.. يسير ببطء)
مت :- إنها.. إنها علبة جدي.. أنا انتزعتها منه.. أخبرني عن فائدتها لكني لم أستوعب ما
قال.. أو بالأحرى لم أقتنع بما قال.. قد يكون من السهل إقناع العالم.. لكن المرء لا
يستطيع أن يقنع نفسه.. جدي.. جدي.. ( يتجه إلى حيث جده)
الجد :- ماذا هناك يا مت؟.. هل ناديتني؟..
مت :- هل تسمعني يا جدي؟..
الجد :- أسمعك.. أسمع كل ما يدور داخلك..
مت :- هل تراني يا جدي؟..
الجد :- أراك كما أرى نفسي.. بإمكانك سرقة العلبة.. لكنك لا تستطيع سرقة الفكرة من
رأسي.. تذكر ذلك يا مت..
مت :- سأتذكر .. سأتذكر يا جدي..
الجد :- قد لا تجد الوقت لذلك.. ستكون ميتا وقتها.. كيف لك أن تتذكر بعد مائة عام.. بعد
مائتين.. هات العلبة..
مت :- (يمدها له) ها هي .
الجد :- انظر هنا.. يوجد ثقب مضيء في العلبة.. سأُدخل الظلمة وأحبسها من خلاله..
مت :- وبعد.. وبعد يا جدي..
الجد :- الناس يخافون الظلمة يا مت..
مت :- (بتأكيد).. يخافون.. يخافون يا جدي..
الجد :- الظلام يعني عدم المعرفة.. والإنسان عندما لا يعرف يخاف.. المعرفة ضد الخوف..
وأنا لكي أقضي على الخوف من قلوب الناس.. أردت أن أحبس الظلمة..
مت :- وهذه العلبة؟..
الجد :- ما هي إلا وسيلة.. لقد عاشت هذه العلبة في داخلي.. ولكنني لم أستطع حبس الظلمة
بعد.. لازلت أحاول..
مت :- لم يا جدي؟.. ألم تكن تعرف السبيل لذلك..
الجد :- لم أكن أعرف.. لم أكن أعرف.. كنت خائفا.. كنت إنسانا بلا قلب جسور أو حيلة.. لم
أستطع الخروج إلى حيث الظلمة.. بقيت حبيس هذا المكان حيث الضياء.. وكلما فكرت في الخروج.. وقف الموت أمام عيني وتملكني الخوف والرهبة.. لابد من الخروج إليهم يا مت.. الغوغاء في الخارج لا يعرفون أنهم يعيشون في الظلمة.. لا يعرفون.. لذلك لا يتوقون للخلاص.. لقد تسربت الظلمة داخلهم.. صارت جزء منهم.. لقد تحولوا إلى ظلام.. لذلك يرفضون خروجنا إليهم.. اخرج يا مت.. ضع الموت خلف ظهرك واخرج إليهم.. اخرج يامت.. حاول أن تشرح لهم معنى الخوف.. حل وثاق الظلمة في قلوبهم.. ( يبتعد الجد ويتلاشى كالخيال.. يدخل الآخر دائرة الضوء)
مت :_ جدي!!. جدي!!..
الآخر :- سيمزقك الوحش يا مت.. عليك أن تستعد..
مت :- سأهرب..
الآخر:- سيقتلك الغوغاء في الخارج ولن تستطيع الهرب..
مت :- أنا خائف.. أنا خائف..
صوت الأم:- افعل شيئا يا مت.. ستعيش يا بني..
مت :- أنا أيضا كنت أعتقد ذلك في البدء.. عندما يموت قريب أو عزيز كنا نحزن وننزعج..
لم نكن نصدق للحظات.. ثم ينتهي الأمر.. كيف نصدق أننا يوما سنموت.. أو لعلنا
نسينا ذلك.. كيف يمكن أن أشرح الشيء الذي لم أفهمه أنا.. لا .. كلمة سحرية.. لا
أمام الذين يعرفون.. وإلى جانب الذين لم يصلوا إلى كلمة لا.. لا .. كلمة صغيرة فوق
كل المعايير.. كيف يمكننا قياس لا.. ( تخفض الإضاءة أكثر) كنت راض بالعيش
وسط الظلمة.. كنت راض بهذه الليالي التي لا حدود لها حتى النهاية.. راض لأن بؤبؤ
عيني سيفتش عن بصيص من نور وسيجده داخله.. لا .. كلمة لم تكن موجودة في قاموسي..
صوت الأم :- ستنجو.. ستنجو يا مت..
مت :- لن يساعدني أحد إن لم أساعد نفسي..
الآخر :- المهلة انتهت يا سيد مت.. ستموت..
مت :- (يخاف أكثر.. إضاءة مرعبة وقوية على الوجه في مؤخرة المسرح) إن بقيت هنا
سيلتهمني الوحش.. علي أن أهرب.. يجب أن أخرج..
صوت الأم:- لا تذهب يا مت .. الغوغاء سيمزقونك يا بني..
صوت الجد :- أخرج إليهم يا مت ..
مت :- إني أتضاءل .. أتضاءل .. جسدي لم يُعد يقوى على حملي .. أنا أنهار .. أنتهي..
صوت الجد :- ( بقوة وحزم) أخرج إليهم يا مت.. أخرج إليهم وازرع بذرة من نور الضياء
وسطهم.. أخرج ولا تتردد..
صوت الأم :- لا يا بني .. لا تخرج .. ابق حيث أنت ..
مت :- أنا أنتهي .. أنتهي ( تعلو دقات الساعة).. أوقفوا هذه الدقات.. أنها تقتلني.. أوقفوها
وإلا حطمت هذه الساعة (يقف) يندفع باتجاه الوحش.. يلحق الساعة.. يحطمها..
تستمر الدقات أقوى وأعنف).. أوقفوا هذه الدقات.. أوقفوها.. لا.. لا .. إنها سيمفونية
الحياة.. دعوها تدق.. دعوها تدق لتعلن عبر دقاتها كل لحظة عن فجر جديد.. دعوها
تدق.. لتعلن دقاتها عن زمن آت.. أنا لا أخاف الموت.. لهذا لن أتراجع.. سأخرج إليهم.. سأخرج إليهم حتى وإن مزقوني إربا.. سأخرج إليهم يا جدي..
صوت الجد :- أخرج إليهم يا مت..
صوت الأم :- لا تخرج يا مت .. لا تخرج يا بني..
صوت الجد :- أخرج يا مت.. أخرج إليهم..
مت :- إذا لم أحترق أنا.. وإذا لم تحترق أنت.. وإذا نحن جميعا لم نحترق.. فمن ذا سيبدد
الظلام.. ( يتردد صدى جملة مت الأخيرة في أرجاء المسرح أكثر من مرة مع اندفاع مت مخترقا الستارة السوداء في خلفية المسرح.. يتلاشى الوجه في الخلفية.. تعلو دقات الساعة وتستمر .. لحظات ويظهر شبح لهيكل عظمي تلاحقه أيادٍ متوحشة.. تمزقه وتقطعه أربا.. موسيقى مناسبة.. تنزل ستارة بيضاء في مقدمة المسرح.. يظهر خلفها مت.. يتجسد في ثنايا قماش الستارة.. يتشكل داخلها .. يشعل شمعة.. ويتبعه الآخرون.. تتكاثر الشموع .. وتملأ أركان المسرح )

النهاية
14-15/ يناير/ 2011
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مسرحية افعل شيئا يا مُت لعبدالباسط أحمد أبومزيريق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الاقسام الاساسية :: نصوص مسرحية-
انتقل الى: